سورة الأحزاب - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}
{شاهدا} على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي: مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم، كمل يقبل قول الشاهد العدل في الحكم.
فإن قلت: وكيف كان شاهداً وقت الإرسال، وإنما يكون شاهداً عند تحمل الشهادة أو عند أدائها؟ قلت: هي حال مقدرة كمسألة الكتاب: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي: مقدراً به الصيد غداً.
فإن قلت: قد فهم من قوله: إنا أرسلناك داعياً: أنه مأذون له في الدعاء، فما فائدة قوله: {بِإِذْنِهِ}؟ قلت: لم يرد به حقيقة الإذن. وإنما جعل الإذن مستعاراً للتسهيل والتيسير؛ لأن الدخول في حقّ المالك متعذر، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر، فلما كان الإذن تسهيلاً لما تعذر من ذلك، وضع موضعه، وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر، فقيل: بإذنه للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلاّ إذا سهله الله ويسّره، ومنه قولهم في الشحيح: أنه غير مأذون له في الإنفاق، أي: غير مسهل له الإنفاق لكونه شاقاً عليه داخلاً في حكم التعذر. [{وَسِرَاجاً منيراً}] جلى به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به. أو أمدّ الله بنور نبوّته نور البصائر، كما يمدّ بنور السراج نور الأبصار، وصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطة ودقت فتيلته. وفي كلام بعضهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء. وسئل بعضهم عن الموحشين؟ فقال: ظلام ساتر، وسراج فاتر. وقيل: وذا سراج منير. أو وتاليا سراجاً منيراً. ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف {أرسلناك}.


{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)}
الفضل: ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب، وإذا ذكر المتفضل به وكبره فما ظنك بالثواب. ويجوز أن يريد بالفضل: الثواب، من قولهم للعطايا: فضول وفواضل، وأن يريد أنّ لهم فضلاً كبيراً على سائر الأمم، وذلك الفضل من جهة الله، وأنه آتاهم ما فضلوهم به.


{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}
{وَلاَ تُطِعِ الكافرين} معناه: الدوام والثبات على ما كان عليه. أو التهييج {أَذَاهُمْ} يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول، يعني: ودع أن تؤذيهم بضرر أو قتل، وخذ بظاهرهم، وحسابهم على الله في باطنهم. أو: ودع ما يؤذونك به ولا تجازهم عليه حتى تؤمر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي منسوخة بآية السيف {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فإنه يكفيكهم {وكفى بالله وكيلاً}، وكفى به مفوّضاً إليه، ولقائل أن يقول: وصفه الله تعالى بخمسة أوصاف، وقابل كلاً منها بخطاب مناسب له، قابل الشاهد بقوله: {وبشر المؤمنين}، لأنه يكون شاهداً على أمّته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم، وهو الفضل الكبير والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين، لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين، وهو مناسب للبشارة والنذير بدع أذاهم، لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر- والأذى لابد له من عقاب عاجل أو آجل- كانوا منذرين به في المستقبل، والداعي إلى الله بتيسيره بقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} لأنّ من توكل على الله يسرّ عليه كل عسير، والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلاً، لأنّ من أناره الله برهاناً على جميع خلقه، كان جديراً بأن يكتفي به عن جميع خلقه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12